الصفحة الرئيسية >التماس >المدن - أصل التصوير التشكيلي الرقمي وفصله
Apr 24بواسطة Smarthomer

المدن - أصل التصوير التشكيلي الرقمي وفصله

ما من شك في أن هذه النظرة تبسيطية، وتشير إلى سوء فهم لما تمثله اللوحة الرقمية حقّاً، إضافة إلى كون أصحابها، ممن لم يختبروا هذا النوع من الرسم، لا يمتلكون تجربة في هذا المجال. لكن، وكما كل صنف من الفنون، يبقى أن النوع المذكور له ما له، وعليه ما عليه، ويخضع لجدال من قبل العاملين في المجال المذكور، كما من قبل جمهور المتلقين.لا يمكننا تعريف الفنون الرقمية كما دأبنا على تعرّيف الفنون الجميلة كالرسم والنحت، ولكن، لا يمكن فصل الممارسات الفنية في عصرنا الراهن عن التطورات التكنولوجية التي أحدثت ثورةفي العالم. وككل نشاط بشري، يخضع الفن لهذه الثورة الرقمية، في حين يؤكد أنصار الثورة الرقمية على ضرورة أن يعيد الفن الكلاسيكي النظر في طريقة وجوده وأساليبه، من دون أن يتعارض ذلك مع الأهداف المبدئية التي وُجد من أجلها. في كل الأحوال، الرسم الرقمي هو شكل من أشكال الفن الرقمي. ظهر في تسعينيات القرن الماضي، وطُبقت فيه تقنيات الرسم التقليدية، مثل الألوان المائية والزيوت والإيمباستو، ويقوم على استخدام الأدوات الرقمية كجهاز كمبيوتر ولوح رسومات وقلم إلكتروني وبرامج. يختلف الرسم الرقمي عن الأشكال الأخرى للفن الرقمي، وخاصة الفن الناتج من الحاسوب، لأنه لا يتضمن إعتماد الكمبيوتر على نموذج. يستخدم الفنان تقنيات الرسم لإنشاء لوحة رقمية مباشرة على الكمبيوتر، وكما في الرسم التقليدي، هناك حركات مختلفة للرسم الرقمي تتطلّب معرفة بالتقنيات. إذ إنه ليس غشًا أو اختصارًا سيسمح لك بمعرفة كيفية الرسم بشكل أفضل، إذا كنت لا تحسن أصول الرسم في الأصل. وقد تم استخدام هذه التقنية ، على سبيل المثال، من قبل رسامي الكاريكاتير أصحاب الخبرة الكلاسيكية، أمثال Siné أو Plantu أو Wiaz أو Georges Wolinski أو Cabu.

وكما أشارت كريستيان بول، الأستاذة المساعدة للدراسات الإعلامية في المدرسة الجديدة في نيويورك، في كتابها المعنون "الفن الرقمي"، من الضروري أولاً "التمييز ما بين الفن الذي يستخدم الطريقة الرقمية كأداة بسيطة لإنشاء المزيد من العناصر التقليدية، كالتصوير أو الطباعة أو النحت أو الموسيقى، والفن الذي يستخدمها كوسيلة في حد ذاتها. في الحالة الثانية، يتم إنتاج العمل وتخزينه وتقديمه في شكل رقمي فقط، ويستغل إمكاناته التفاعلية أو التشاركية". هنا، لا بد من ذكر أن جذور الفنون الرقمية، التي تخضع لتعليمات دقيقة، تعود إلى الحركة الدادائية في عشرينيات القرن الماضي، وبشكل أكثر تحديدًا ما نراه في أعمال مارسيل دوشامب ومان راي. لقد تبنى أعضاء OULIPO العمليات الاندماجية التي تخضع لقواعد صارمة من الشعر الدادائي، ولا يزال العديد من مؤلفي البيئات التي أنشأها الكمبيوتر مستوحى من هذا النوع من التوليفات. وفي الستينيات، أثرت حركة الفن المعاصر Fluxus ، المتأثرة بالدادائية، بشكل أساسي على الفنون البصرية، ولكن أيضًا على الموسيقى والأدب، واستهدفت، من خلال الدعابة المدمرة، كسر الحدود بين الفنون، وبناء صلة بين الفن والحياة.

يمكن القول إن مفاهيم هذه التكنولوجيا الجديدة وخصائصها وجمالياتها مستوحاة، غالباً، من روايات الخيال العلمي. رافق الانتقال من العصر الصناعي إلى العصر الإلكتروني اهتمام متزايد لدى الفنانين بالتقاطعات بين الفن والتكنولوجيا، والذي كان من المفترض أن يتطور في السبعينيات والثمانينيات مع ظهور تقنيات جديدة (فيديو، أقمار صناعية). خلال هذه الفترة، تطورت الفنون الرقمية لتجمع بين مجموعة كبيرة ومتنوعة من الممارسات، بدءًا من إنشاء مشاريع "موجهة للكائنات" إلى الأعمال التي تهدف إلى تطوير كائنات افتراضية "عملية المنحى". ولكن، علينا أن ننتظر حتى التسعينيات كي نشهد دخول الفنون الرقمية تدريجياً إلى عالم الفن. هذه العلاقة، بين "الفنون الرقمية" و"الفن المعاصر"، أصبحت في يومنا الحاضر معقدة لأسباب كثيرة.

على أن التقنيات الرقمية والوسائط التفاعلية تساعد بالفعل في تحدي المفاهيم التقليدية للعمل الفني والجمهور والفنان. لم يعد الفنان هو الخالق الوحيد للعمل، بل غالبًا ما يكون الوسيط أو صانع الرسوم المتحركة للتفاعلات بين الجمهور وبينه. كما ليس من المستبعد أن تكون العملية الإبداعية نفسها نتيجة للتعاون المعقد بين فنان وفريق من المبرمجين والمهندسين والعلماء ومصممي الغرافيك، بعدما دُرّب عدد من الفنانين الرقميين من أجل تنفيذ المهمات المذكورة. أبعد من ذلك، وفيما يتعلق بالمعلومات، على سبيل المثال، وبما أن الفن هو أيضًا وسيط، فإن المفهوم الكامل للوضع والتسلسل الهرمي للكلام هو اللامركزية. وهذا المفهوم لا ينفصل عن فكرة الإختبار، العزيزة على نفوس الفنانين، ويطرح سؤالاً حول من الذي يتّخذ القرار؟ من المتحدث؟ وباسم ماذا؟ يُضاف إلى ذلك أسئلة محورية أخرى تتمحور حول من الذي يحظى بأهمية أكبر في هذه العملية؟ هل هو الفنان أو التقني؟ أم هو المتفرج أو الممثل؟ هذا "الارتباك"، المتأصّل في الفنون الرقمية، ليس علامة على تخفيض قيمة المنتج، بل على العكس من ذلك، إنما هو علامة اندماج وتهجين تستمد منه الفنون الرقمية قيمتها.

وبالمعنى الدقيق للكلمة، فإن الفنون الرقمية هي مصدر "تفاعل" حقيقي، من خلال التماس وتوخّي حركة العمل نحو المتفرج، وعلى العكس أيضاً، موقف المتفرج من العمل. يمكن أن نذكر العمل المسمّى Lotus 7.0 للفنّان والمصمم الهولندي Daan Roosegaarde . بنى الفنّان عالماً إبداعياً بعيداً من النمطية حيث تؤدي التفاصيل إلى عملية الإدراك، بحيث يستكشف "القارىء" مزيج الجسيمات ضمن مستويات متعددة من القراءة، وذلك وفقًا لدرجة فضوله. العمل المذكور أعلاه مؤلّف من صفائح الألمينيوم، وهو يتفاعل مع حركات المتلقي، ويصبح عندها زاخراً بالحياة ومؤديا للهدف الفني الذي صُنع من أجله. قام هذا التجهيز على إعتماد وحدات وظيفية متشابهة من حيث الشكل والحجم، لكنها متغيّرة من حيث آلياتها، وذلك تبعاً لموقف المشاهد، كما أشار عالم الإجتماع والمحاضر في جامعة "ليل 3" جان بول فورمانتو، الذي صنّفها في كتابه "شخصيات الخلق الجديدة".

المدن - أصل التصوير التشكيلي الرقمي وفصله

ظاهرة ديفيد هوكني

ولد الفنان الإنكليزي ديفيد هوكني عام 1937، في برادفورد بالمملكة المتحدة، وهو رسام بورتريه ومشاهد طبيعية، ويمارس فن المحفورات، كما هو مصمم ديكور، ومصوّر فوتوغرافي، ومنظّر فني. وهو يعيش ويعمل منذ عام 2019 في منطقة النورماندي الفرنسية. يُعتبر هوكني شخصية رئيسة في حركة البوب آرت والواقعية المفرطة، وأحد أشهر الرسامين البريطانيين في الوقت الحاضر، وقد إستخدم في أعماله ألواناً زاهية وقويّة، جامعاً أحياناً بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي.

يرسم هوكني الموضوعات التقليدية مثل المناظر الطبيعية والصور الشخصية، والطبيعة الجامدة، وذلك ضمن أسلوب خاص. وهو أحد الفنانين المجددين في منتصف ثمانينات القرن الماضي، من خلال استعماله برامج خاصة على الكمبيوتر، وحتى على أجهزة الهواتف. وقد قال فيما يشبه الطرفة: "الرسم كان عفا عليه الزمن، وفي الواقع، أنا مندهش من أن الهاتف يمكنه أن يرسم". قام بإستعمال الهواتف والأجهزة اللوحية التي تعمل باللمس، واستمر الفنان في تبنّي التكنولوجيا الناشئة، وإعادة إنشاء الأشخاص والأماكن المحيطة به رقميًا. بدأ هوكني بتجربة تطبيقات الرسم على أجهزة Apple في عام 2008، بدءًا من Brushes for iPhone ، وانتقل أخيرًا إلى iPad، قائلاً أنه قادر على الرسم على الجهاز في أي مكان أو إضاءة، بألوان لا تضيع ولا تتغيّر، وإمكانيات تكديس طبقات لا حصر لها. يُعتبر الجهاز اللوحي لديه بمثابة لوحة قماشية افتراضية خفيفة الوزن، ومثالية للفنان الذي يركّز بشكل أساسي على أعمال المراقبة والمناظر الخارجية.

يبلغ هوكني الآن 84 عاماً من العمر، وهو يحتضن معظم أنواع التكنولوجيا الجديدة، ما يجعل منه شخصية فنية معاصرة ومبدعة. يقول هوكني: مع كل جهاز وبرنامج جديد يجب أن يتبنى الفنان أسلوبه وعملياته. أتى هذا التحدي ثماره وبثّ حياة جديدة في الأسلوب الذي اشتهر به هوكني، ومع ذلك، لم يفقد التزامه بالألوان التقليدية. يتنقل هوكني بين التناظرية والرقمية، ولا يزال يرسم على القماش متجوّلاً بين فرنسا والاستوديو الخاص به في لوس أنجليس.

ميموزا العراوي ترسم يومياتها

كي لا يقتصر كلامنا على فنانين أجانب، ولكي نوفي كل ذي حق حقه، شئنا أن نحيّد صوب الزميلة الفنانة والكاتبة ميموزا العراوي، من دون أن يكون في الأمر نوع من المقارنة، أو المقابلة مع الوارد أعلاه. تعمد ميموزا إلى الرسم الديجيتالي يومياً، وتنتج أحياناً، بل غالباً، أكثر من عمل في اليوم الواحد. وعلى عكس ما سبق ذكره من تجارب، لا تلجأ إلى مواد جاهزة، أو صور فوتوغرافية، بل ترسم كأنها في صدد بناء لوحة تقليدية بمساعدة الحاسوب والبرامج الرقمية الخاصة.

موضوعات الفنانة شخصيّة بإمتياز، وفيها الكثير من المباشرة، من دون الغوص في مسائل فلسفيّة أو ما ورائية، إلاّ في بعض المواقف المعينة. وهي، على هذا الأساس، ترسم يومياتها، وما تتعرّض له من حوادث، أو ما يعتريها من أفكار وأحاسيس. وبما أن لميموزا خبرة في مجال اللون من حيث الأساس، فقد جاءت أعمالها ذات شفّافية واضحة، تجمع ما بين المساحات اللونية المنفصلة أو المتداخلة، والخط الغرافيكي. بدأت تجارب الفنانة منذ فترة شبه طويلة، وتطوّرت تقنياتها مع مرور الأيام في شكل ملفت، ساعدت على بلورته كثافة الإنتاج وتنوّعه، وذلك بفعل غزارة الحوادث المقلقة التي تعصف بنا جميعاً، وتعكسها ميموزا صوراً وألواناً.