الصفحة الرئيسية >التماس >الأمن الدولي والتسلح ونزع السلاح(*) - CAUS - مركز دراسات الوحدة العربية
Dec 30بواسطة Smarthomer

الأمن الدولي والتسلح ونزع السلاح(*) - CAUS - مركز دراسات الوحدة العربية

I استعراض سنة 2016

هذا هو الإصدار الثامن والأربعون من كتاب سيبري السنوي. وهو يقدّم، مثل الكتب التي سبقته، استعراضاً للأحداث واتجاهات النزاعات، والسلام، والأمن الدولي في السنة السابقة. وقد لاحظ إصدار سنة 2016 أنه لم يكن من الصعب تمييز سنة 2015 باعتبارها واحدة من أحلك السنين في الاستقرار الدولي والأمن الإنساني منذ نهاية الحرب الباردة. ومع ذلك، حدثت تطوّرات إيجابية أيضاً في تلك السنة واستمر الأداء الجيد للنظام الدولي للمحافظة على الأمن والقانون الدولي في العديد من النواحي؛ وليس أقلّها التوصّل إلى اتفاقين دوليين بشأن الحدّ من سرعة تغيّر المناخ والتكيّف مع الاستجابة لأثره، وخطة التنمية العالمية حتى سنة 2030. وعلى الرغم من أن التنفيذ الفعّال يتطلّب جهوداً كبيرة، فقد كان من الممكن التوصّل إلى الاتفاقين لأن دول العالم تمكّنت من نبذ خلافاتها لتحقيق تفاهم عام على اثنين من التحدّيات الكبرى في حقبتنا. وفي حين أنه لم تحدث اتفاقات دولية بارزة مماثلة في سنة 2016، فإن المنظور العام للسنة ما زال متوازناً بين التطوّرات السلبية واستمرار عمل النظام الدولي‏[1]. غير أن السنة انتهت ببواعث واضحة للقلق بشأن اتجاه انتقال ذلك النظام وعافيته على المدى الطويل.

في سنة 2016، لم يُحلّ أي من المشكلات الأساسية التي تغذّي الجانب السلبي للميزانية العمومية للأمن الإنساني والاستقرار الدولي. فقد استمرّت النزاعات في الشرق الأوسط في إنتاج المآسي الإنسانية وحركة اللاجئين الواسعة النطاق (انظر الفصل السابع)، وإن يكن على نطاق أدنى مما كانت عليه في سنة 2015. واستمرّ النزاع العنيف في العديد من أنحاء العالم الأخرى، ولا سيَّما في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا الشرقية بقدر أقل. وشمل العديد من هذه النزاعات تدخّلاً عسكرياً من قبل دول خارجية إلى جانب واحد أو أكثر من أطراف النزاع (انظر الفصل الثاني). وظلّ لإرهاب الأطراف من غير الدول تأثير كبير في العديد من البلدان والمناطق، وبخاصة الشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب آسيا، وأوروبا. وساهمت التطوّرات في شمال شرق آسيا في عدم الاستقرار السياسي الدولي ويمكن أن يكون لها تداعيات خطيرة أخرى. فقد أجرت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (كوريا الشمالية) تجربتين نوويتين وعدة تجارب صاروخية؛ وأكملت بها بفعالية بروزها بمنزلة الدولة التاسعة الحائزة أسلحة نووية في العالم (انظر الفصل الحادي عشر). كل هذه التطوّرات تبعث على القلق؛ لا بشأن النتائج الفورية فحسب، وإنما بشأن إمكان حدوث مزيد من العواقب الخطيرة على المدى البعيد أيضاً.

في الجانب الإيجابي، حاز اتفاق باريس بشأن المناخ، الذي تم التوصّل إليه في كانون الأول/ديسمبر 2015، ما يكفي من التصديقات ليصبح نافذاً في تشرين الثاني/نوفمبر 2016‏[2]. وبدأ تنفيذ اتفاق إيران النووي – خطة العمل المشتركة الشاملة – الموقّعة في أواسط سنة 2015، في الوقت الملائم في أوائل سنة 2016 (انظر الفصل الثاني عشر). وتحقّق تقدّم في العمل لمراقبة التنفيذ المتكشّف لخطة الأمم المتحدة 2030 للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهو مشروع طويل الأجل وواسع الانتشار لا ينتظر أن يكون ذا تأثير على المدى القريب (انظر الفصل السادس). ويشير استمرار تنفيذ هذه القرارات المتخذة في السنوات السابقة إلى أن التعليقات على المدة الفاصلة بين الاتفاق الرسمي وتنفيذه قد يكون مبالغاً فيها في بعض الأحيان. ومن المساهمات الكبرى في القسم الإيجابي من الميزانية العمومية اتفاق السلام في كولومبيا (انظر الفصل الثاني، القسم II). وكان هذا الاتفاق المعقّد قد رُفض بهامش ضيّق في استفتاء أولي أجري في تشرين الأول/أكتوبر 2016 لكن نُقّح بعد ذلك وصدّق عليه البرلمان الكولومبي في الشهر التالي‏[3].

على الرغم من هذه العلامات المشجّعة، فإن هذا الكتاب السنوي يظهر أن كل مؤشّرات السلام والأمن العالمية الكبرى تقريباً تحرّكت في اتجاه سلبي: مزيد من الإنفاق العسكري، وتزايد الاتجار بالأسلحة، ومزيد من النزاعات العنيفة، واستمرار تقدّم التكنولوجيا العسكرية إلى الأمام.

أسئلة محرجة

إزاء هذه الخلفية، برزت بعض الأسئلة المحرجة في سنة 2016. فأثار إدراك أن عدد النزاعات المسلّحة بلغ مستوى لم يشهده منذ أواسط التسعينيات سؤالاً عما إذا كانت المكاسب العظيمة المتحقّقة في العلاقات السلمية منذ نهاية الحرب الباردة قد عُكست (انظر الفصل الثاني). وعلى الرغم من استمرار وظيفة النظام السياسي الدولي، فقد تصاعد القلق بشأن متانة أجزاء رئيسية من هيكل الأمن الدولي، ولا سيَّما أن يكون لعودة المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى تبعات سلبية على إدارة مخاطر النزاعات المتزايدة كما يخشى بعض الأشخاص‏[4]. ويكمن منطق هذا القلق في أن المنافسة على النفوذ تكون مصحوبة بالانقسام بشأن القضايا المهمة في المؤسّسات الدولية مثل الأمم المتحدة. لكن عدّت المشكلة من بعض وجهات النظر بمنزلة وجه للتراجع المتصوّر للغرب، بناء على الافتراض بأن الهيمنة الغربية هي المهمّة في إدارة الصراعات. بالمقابل، رحّب آخرون بتراجع الغرب، وأشاروا إلى الأعمال التي قام بها الغرب وأثّرت تأثيراً سلبياً في السلام. وبصرف النظر عن الموقف المتخذ بشأن الرغبة في هذه الظاهرة، فإن الاستنتاج بأن النفوذ الغربي أخذ يضعف يجد قبولاً بين المعلّقين والسياسيين ذوي الآراء المتباعدة بخلاف ذلك‏[5].

بدا أن التطوّرات السياسية في أوروبا والولايات المتحدة تكشف عن تراجع كبير في الالتزام بالمؤسسات الدولية (انظر القسم III). وأدّى ذلك إلى القلق بشأن الآثار المزعزعة للاستقرار المترتّبة على التشديد المتجدّد في العديد من الدول على المصالح الوطنية الضيّقة التعريف. وبما أنها أسئلة عن الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، فإنها تطرح على مستوى مرتفع من العمومية، ومفتوحة على الخلاف، وغامضة في تعريفها. ومع ذلك فإنها قضايا حقيقية.

العصر الأنثروبوسيني

بعيداً من المسائل الجغرافية السياسية والاستراتيجية، تلوح قضيّة ذات مستوى أعلى وتتعلّق بالشكل الذي يتخذه العصر الحالي. ففي آب/أغسطس 2016، اتخذ اجتماع المؤتمر الجيولوجي الدولي المنعقد في كيب تاون، بجنوب أفريقيا، قراراً بإطلاق اسم الأنثروبوسين على الحقبة الجيولوجية الراهنة‏[6]. ويعني الاسم أن الأنشطة البشرية هي القوى المؤثّرة الحاسمة في الجيولوجيا والإيكولوجيا. وهو يلي الهولوسين، الذي يسم الحقبة الممتدة منذ 12 ألف سنة. وكانت الفكرة بأن اسم الأنثروبوسين هو الاسم الملائم لهذه الحقبة قد طُرحت لأول مرة في مقالة موجزة في نشرة أكاديمية مهنية في سنة 2007‏[7]. وخضع الاقتراح لدراسة أجراها فريق عمل من الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية أنشئ في سنة 2009، ورفع تقريره إلى المؤتمر في سنة 2016‏[8]. وما زال الجيولوجيون يناقشون التاريخ الدقيق والحادث الذي أطلق بداية العصر الأنثروبوسيني. ويفضّل أحد مناحي التفكير بداية الثورة الصناعية، نحو سنة 1800، في حين اختار آخرون بداية العصر النووي في سنة 1945، أو بدء الانبعاثات الكربونية الكثيفة من محطات توليد الطاقة بحرق الفحم، أو بداية تلويث البيئة على نطاق واسع بمخلّفات مثل البلاستِك‏[9].

الأمن الدولي والتسلح ونزع السلاح(*) - CAUS - مركز دراسات الوحدة العربية

وعلى الرغم من أن مفهوم الأنثروبوسين يحتوي على قدر من عدم اليقين العلمي وأنه طريقة تفكير في العالم لا حقيقة راسخة، فإنه يستحقّ مكاناً في النقاش المعاصر للاستقرار الدولي والأمن البشري. فتغيّر المناخ وأنواع أخرى من التغيّر البيئي المرتبطة بالأنشطة البشرية هي حقائق تؤثّر في شروط الحياة، مثلما ينطبق الأمر دائماً على البيئة الطبيعية. ويبدو أن الفترة السياسية المعاصرة تعرف إلى حدٍّ ما بتزايد المنافسة بين القوى العظمى. ولذلك من المفيد التأمّل في الحاجة إلى درجة غير مسبوقة من التعاون الدولي لمعالجة تحدّيات البشرية التي تجملها فكرة الأنثروبوسين، بينما ثمة مخاطر بأن يصبح التعاون مستعصياً أكثر مما بدا عليه في معظم الفترة المنقضية منذ انتهاء الحرب الباردة.

II اتجاهات التسلّح ونزع السلاح

المعلومات الأساسية في هذا الكتاب السنوي عن حجم النشاط العسكري لا تزال محبطة. فقد استمرّت المستويات المرتفعة للإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة، وبلغت عمليات نقل الأسلحة على الصعيد الدولي أعلى مستوياتها منذ سنة 1990. ويقدّر أن النفقات العسكرية العالمية بلغت 1686 مليار دولار في سنة 2016، بزيادة 0.4 في المئة بالقيم الحقيقية مقارنة بالسنة الماضية (الفصل التاسع).

زاد حجم عمليات نقل الأسلحة الرئيسية على الصعيد الدولي في الفترة 2012 – 16 بنسبة 8.4 في المئة عما كان عليه في السنوات الخمس الماضية، وهو الحجم الأكثر ارتفاعاً من أي فترة خمس سنوات منذ سنة 1990 (انظر الفصل العاشر). ومع هذا الارتفاع على الطلب على استيراد الأسلحة الرئيسية، تجدر الإشارة إلى أن مبيعات شركات الأسلحة والخدمات العسكرية المئة الكبرى في العالم هبط 0.6 في المئة في سنة 2015، وهي أحدث سنة تتوافر عنها البيانات (انظر الفصل العاشر، القسم V). وهذا يعني أن الشركات خارج المئة الكبرى تزيد مخرجاتها. وأن المنتجين الناشئين مثل كوريا الجنوبية يحقّقون زيادات كبيرة في مبيعاتهم.

أما بالنسبة إلى أسلحة الدمار الشامل، فإن كل دول العالم الحائزة أسلحة نووية لديها برامج تحديث نووي فاعلة، مثلما تفعل كوريا الشمالية بطبيعة الحال، وهي أحدث هذه الدول (انظر الفصل الحادي عشر). وتقوم الهند وباكستان بتوسيع مخزوناتهما من الأسلحة النووية وقدراتهما على إيصالها من طريق القذائف. واستُخدمت الأسلحة الكيميائية ثانية في النزاع المسلّح في سورية (انظر الفصل الثالث عشر).

إضعاف نزع السلاح والحدّ من الأسلحة

السعي للحدّ من عدد الأسلحة وطرق استخدامها نهج رئيسي للمحافظة على السلام والأمن الدوليين في العصر الحديث. وثمة طريقتان لتحقيق هذه الغاية وهما الحدّ من الأسلحة ونزع السلاح. يشمل نزع السلاح خفض الأسلحة أو القوّات المسلّحة أو حتى إزالتها، في حين أن الحدّ من الأسلحة ينطوي على تقييد تطوير الأسلحة أو إنتاجها، أو تخزينها، أو انتشارها، أو نقلها، أو اختبارها، أو نشرها بطرق لا تعني خفض الأعداد بالضرورة.

مضت فترة بعد نهاية الحرب الباردة خفّض فيها مزيج من الحدّ من السلاح ونزع الأسلحة الإنفاق العسكري العالمي وبدأت مخزونات الأسلحة النووية بالتناقص. وفي تلك الفترة، تخلّت جنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري عن الطموحات النووية لدولة الفصل العنصري السابقة، في حين أن بيلاروس، وكازاخستان، وأوكرانيا، وهي دول جديدة انبثقت بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي – وكان في وسعها جميعاً أن تتمسّك بالأسلحة النووية السوفياتية وتصبح دولاً نووية – تخلّت أيضاً عن أي طموحات نووية. وقد انخفض عدد الأسلحة النووية بالإجمال من 65.000 في ذروته إلى نحو 14.945 في سنة 2016.

طالما كان هناك توازن بالغ التعقيد ضمن المجال الواسع للتسلّح، والحدّ من الأسلحة، ونزع السلاح بين برامج زيادة القوة العسكرية وإجراءات الحدّ من حجم القوّات المسلّحة أو خفضها. وتظهر الاتجاهات اليوم في هذا المجال أن برامج التسلّح آخذة في التصاعد. وشهدت السنوات الأخيرة تطوّرات ذات آثار عميقة في الأمن البشري والاستقرار الدولي، مع أنها تقنية ومعقّدة.

إن الاتفاقات والعمليات القائمة الثنائية والمتعدّدة الأطراف للحدّ من الأسلحة تتعرّض للتحدّي. ومن أهمّ التطوّرات، في سنة 2015، اتخاذ الخطوة الأخيرة في انسحاب روسيا الطويل الأمد من معاهدة القوّات المسلّحة التقليدية في أوروبا لسنة 1990، وهي عملية بدأت في سنة 2007 (انظر الفصل الرابع عشر، القسم III). وفي سنة 2016، علّقت روسيا تنفيذ الاتفاق الثنائي مع الولايات المتحدة للتخلّص من البلوتونيوم المستخلص من الرؤوس النووية التي تمّ تفكيكها. ولتبرير هذا الإجراء، قالت الحكومة الروسية إن الولايات المتحدة لم تتمكّن من إثبات امتثالها للاتفاق (انظر الفصل الثاني عشر، القسم I). ومع أن المعاهدة الأمريكية – الروسية لسنة 2010 بشأن التدابير الرامية إلى زيادة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحدّ منها (نيو ستارت) لا تزال قيد التنفيذ بما يرضي الطرفين، فإن معاهدة القوات النووية المتوسّطة المدى الأمريكية – الروسية لسنة 1987 تتعرّض لضغوط. وفي سنة 2016، اتهم كل طرف الآخر بانتهاكها. وقد تمت الدعوة إلى تطبيق الآلية التي أنشأتها تلك المعاهدة لحل الخلافات للمرّة الأولى منذ سنة 2003 (انظر الفصل الثاني عشر، القسم I).

يشكّل اتجاه إضعاف الحدّ من الأسلحة تحدّيات أمام تعزيز الإطار القانوني الدولي القائم، وتنفيذه، والتحقّق منه. ويتجسّد ذلك في فشل مؤتمر استعراض اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسمّية المنعقد في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 في الاتفاق على إحراز تقدّم ملموس (انظر الفصل الثالث عشر). كما أن الفشل حتى في الاتفاق على جوهر الخلاف في مؤتمر استعراض معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لسنة 1968 المنعقد في سنة 2015 يمكن أن يشير إلى وجود مشكلات هيكلية في التفاوض على مسائل أسلحة الدمار الشامل‏[10]. ويستمدّ إيضاح مختلف للاتجاه الإشكالي الإجمالي من عدم نفاذ معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. في غضون ذلك، ما زال يتعيّن تدمير مخزونات كبيرة من الأسلحة الكيميائية بعد ما يقارب عقدين على نفاذ اتفاقية الأسلحة الكيميائية (انظر الفصل الثالث عشر، القسم IV). ووردت في سنة 2016 عدّة تقارير مؤكّدة عن استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاعين في العراق وسورية (انظر الفصل الثالث عشر، القسمين I وII).

زيادة مساعي الرقابة، وتزايد التحدّيات

في سنة 2016، اعتمدت الجمعية العامّة للأمم المتحدة قراراً ببدء المفاوضات في سنة 2017 بشأن إزالة الأسلحة النووية (انظر الفصل الثاني عشر، القسم III). وقد تزايد باطراد دعم ما يعرف على العموم الآن باسم «معاهدة الحظر»، لكن ليس في أوساط الدول النووية الرئيسية وحلفائها. وأيّدت كوريا الشمالية الحظر في تصويت الأمم المتحدة، في حين امتنعت الصين والهند وباكستان عن التصويت، وصوّتت الدول الخمس الأخرى ضدّه. ويتعيّن على المفاوضات التغلّب على الاستقطاب المتنامي بين بعض الدول الحائزة على الأسلحة النووية وكثير من الدول غير الحائزة عليها، إذ لن يكون لمعاهدة الحظر تأثير عملي من دونالدول الأولى. لكن يمكن القول إن الاتفاق، وحتى مجرّد دخول المفاوضات بشأن مثل هذه المعاهدة، قبل ذلك، يمكن أن يزيد الضغط السياسي والدبلوماسي على الدول الحائزة الأسلحة النووية للسعي لنزع الأسلحة النووية.

وتشكّل خطة العمل المشتركة الشاملة لسنة 2015 مثالاً آخر على الدبلوماسية الدولية لمعالجة الاختلافات بشأن انتشار أسلحة الدمار الشامل عن طريق التعاون والتفاوض‏[11]. وهي لا تزال على المسار الصحيح، وبدأ التنفيذ في الوقت المحدّد في سنة 2016. واستمرّت الجهود أيضاً لتقوية أمن الموادّ النووية الخاصة بالاستخدامات المدنية، من خلال مؤتمر القمّة الرابع والأخير المعني بالأمن النووي في واشنطن دي سي في نيسان/أبريل 2016، مع تركيز رئيسي على مكافحة مشكلة الإرهاب النووي (انظر الفصل الثاني عشر، القسم II). لكن تجدر الإشارة إلى أن التوصّل إلى اتفاق فعّال بشأن أمن كل الموادّ والمرافق ذات الصلة بالأسلحة النووية لا يزال بعيداً. ولا تطبّق اللوائح الدولية الخاصة بالتعامل مع المواد النووية الصالحة للاستخدام في صنع الأسلحة إلا على الموادّ المستعملة في المرافق المدنية، لكن أكثر من 80 في المئة من البلوتونيوم واليورانيوم المخصصين لصنع الأسلحة في العالم مستخدمان عسكرياً. وتعارض الدول الحائزة الأسلحة النووية اقتراحات تطبيق الآليات الخاصة بالاستخدامات المدنية القائمة حالياً على المواد النووية المخصصة للاستخدام العسكري. وقد أعاد البيان الصادر عن قمّة واشنطن في سنة 2016 تأكيد مسؤولية الدول في «المحافظة طوال الوقت على الأمن الفعّال لكل الموادّ النووية والإشعاعية الأخرى، بما في ذلك الموادّ النووية المستخدمة في الأسلحة النووية».‏[12] وفي تطوّر ذي صلة، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلىفريق خبراء رفيع المستوى لإعداد أفكار خاصة بمعاهدة لوقف إنتاج الموادّ الانشطارية مثل اليورانيوم العالي التخصيب لأغراض صنع الأسلحة النووية (انظر الفصل الثاني عشر، القسم III). وقد نوقش هذا الاقتراح، المعروف باسم معاهدة وقف إنتاج الموادّ الانشطارية، مناقشة مستفيضة لمدة تزيد على عقدين منذ أن طُرح لأول مرة في خطاب الرئيس بيل كلينتون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1993. ومع أن من المهمّ بقاء الاقتراح على جدول الأعمال، فإن التوصّل إلى نتيجة إيجابية بشأن هذه المعاهدة لا يزال بعيد المنال.

شهدت السنوات الأخيرة مساعي أخرى مهمّة لتنظيم الأسلحة. فقد أصبحت معاهدة الاتجار بالأسلحة، وهي حدث تاريخي، نافذة في كانون الأول/ديسمبر 2014، لكن لا يزال من المبكّر الحكم على فعّالية تنفيذها. وأدخلت ضوابط تجارية تشمل مجموعة واسعة من الأنشطة مثل النقل العابر، ونقل الشحنات من سفينة إلى أخرى، والسمسرة، والتمويل ونقل المعرفة. ووسّعت الضوابط أيضاً لتشمل قطاعات جديدة مثل النقل والأعمال المصرفية، ومنصات التجارة على الإنترنت، والأوساط الأكاديمية. وغالباً تثير هذه الضوابط الاختلاف بسبب القيود التي تفرضها على التجارة، والسفر، والبحث العلمي‏[13].

منذ سنة 2013، بدأ التنظيم المحتمل لمنظومات الأسلحة الفتّاكة الذاتية التشغيل في إطار اتفاقية الأمم لسنة 1981 الخاصة باتفاقية حظر أو تقييد أسلحة تقليدية معيّنة. وتمثّل منظومات الأسلحة الفتّاكة الذاتية التشغيل تحدّياً جسيماً للحدّ من الأسلحة‏[14]. وتتواصل مسيرة تقدّم التكنولوجيا العسكرية من التشغيل الآلي، مروراً بتعلّم الآلات، إلى الذكاء الاصطناعي والروبوطيات. وينتظر أن توفّر خيارات واقعية للأسلحة الهجومية التي يمكن نشرها في بيئات متغيّرة ومعقّدة من دون مدخلات أو إشراف بشري أو بقليل منهما. ووضع إطار لمناقشة الحدّ من الأسلحة يتعلّق بمنظومات الأسلحة الفتّاكة الذاتية التشغيل، لكن التقدّم بطيء. وقد حدّدت قلة من الحكومات موافقها، وقرّرت الغالبية تناول المسألة، وما زالت المفاوضات حتى الآن تتسم بطابع غير رسمي بحت ولأغراض إعلامية وتعريفية إلى حدّ كبير. ولم يتضح إذا كانت المفاوضات ستبدأ أو متى، أو ما ستكون غايتها. وتتراوح الخيارات من الحظر التامّ إلى تنظيم النشر والاستخدام. والسؤال الذي يجب طرحه هو هل ستتطابق سرعة الحدّ من الأسلحة مع سرعة تطويرها.

وثمة تحدٍّ أشدّ حدّة في وجه مبدأ الحدّ من الأسلحة قادم من الحرب الإلكترونية والأمن الإلكتروني. والمناقشات الخاصة بتنظيم المجال الإلكتروني أكثر تقدّماً من المناقشات الخاصة بمنظومات الأسلحة الفتّاكة الذاتية التشغيل‏[15]. غير أن وتيرة الهجمات الإلكترونية البارزة، سواء أكانت بإيعاز من دولة، أم ذات أصل إرهابي، توحي بأن التدابير الدفاعية والرقابية ما زالت متأخّرة. وثمة دراسة عن الأمن الروسي تشير إلى أن «خبراء دفاع روسيين أكّدوا أن الحرب الإلكترونية لم تعد حرباً في المستقبل»، وإنما «تحدث الآن»‏[16]. ويلاحظ التقرير أن «الحرب الإلكترونية» من المنظور الروسي «لها الأولوية على الحرب الفتّاكة وتقوم بها الدول باستمرار. وأن الحدود بين الحرب والسلام تتعرّض للزوال بالتدريج». ويجب التشديد على أن الخبراء الروس المذكورين في التقرير معنيون بالتهديد الإلكتروني لروسيا. مع ذلك، لم تكتسب مثل هذه التقديرات وزناً وأهمية إلا بتقدّم سنة 2016، نظراً إلى المخاوف بشأن الاختراق الحاسوبي للانتخابات في أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية‏[17]. وبعيداً من ذلك، فإن كـلاً من خصائص الحرب الإلكترونية التي أفيد أن الخبراء يشدّدون عليها – أولويتها على الحرب التقليدية الفتّاكة، ووضعها بصفتها خاصّية راهنة ومستمرّة للعلاقات السياسية، وطمسها الحدود بين الحرب والسلام – تمثّل تحدّياً عميقاً لإخضاع قدرات الحرب الإلكترونية لشكل من أشكال الرقابة الدولية المتّفق عليها. وربما يكون الأمن الإلكتروني الاقتصادي لمصلحة كل الدول – وبما أن بعض المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الإلكتروني والاضطراب الاقتصادي قد تكون جهات فاعلة من غير الدول، فربما يكون هناك مجال كبير للتعاون الدولي من أجل تحقيق درجة من الحماية الإلكترونية للشركات. لكن احتمالات مثل هذا التعاون في الميدان السياسي والاستراتيجي تبدو ضعيفة أساساً.